تسعى إيران جاهدة لاستغلال حرب غزة لصالحها من دون الأخذ في الاعتبار مصلحة الشعب الفلسطيني
ليس من المناسب أو الملائم بنظر النظام الإيراني ترك المنطقة من دون حرب أو أزمة أو مشکلة تشغل أکبر مساحة اجتماعية فيها عموماً وفي إيران خصوصاً. ومع ظهور مؤشرات على إمکانية أن تضع الحرب المدمرة في غزة أوزارها، يقوم النظام الايراني، کعادته بالتمهيد من الآن لأزمة أو مشکلة جديدة يشاغل بها شعوب المنطقة، بما في ذلك الشعب الإيراني نفسه.
لقد شكلت حرب غزة منعطفاً بالغ الخطورة والحساسية، وقد عمل النظام الإيراني کل ما في وسعه من أجل الدفع باتجاه تحويلها لخدمة مصالحه وأجندته الإقليمية، لکنه أخفق في ذلك بسبب المساعي الدولية والاقليمية المختلفة التي اتسمت بطابع من الجدية الواضحة، وقد ساهمت هذه المساعي في تهميش واضح للدور المشبوه للنظام الإيراني، وهو ما أثار حفيظته بالضرورة. من هنا، فإنه وعلى أثر التصريح المثير للشکوك الذي أدلى به علي خامنئي قبل بضعة أيام بخصوص ماسماه “فتح جبهة جديدة في مراسم الحج بحجة غزة والبراءة”، فقد أکد منوچهر متكي، وزير الخارجية السابق، تعليقاً وتوضيحاً على تصريح خامنئي بالقول: “هذا العام سنشهد تحولاً جوهرياً في مكة”!
متحدثاً إلى القناة الأخبارية للنظام بتاريخ السادس من أيار (مايو)، وجه وزير الخارجية الإيراني السابق کلاماً للسعودية بطَّنه بنوع من التهديد الضمني الواضح، عندما قال كمن يرغب في أن يملي على السعودية نهجاً سياسياً مخالفاً لما هو متبع لديها: “يجب ألا تمنع السعودية تحت أي ظرف من الظروف غضب المسلمين في أيام البراءة، ويجب على المسؤولين السعوديين أن يفهموا هذا التعريف الجديد الناشئ عن ظروف غزة”!
طلب خامنئي المشبوه، وتعليق وتوضيح وطلب منوچهر متکي، يستوجب التذکير ببدعة الخميني، التي تقضي باستغلال موسم الحج لأغراض وأهداف سياسية وسلب العامل الروحي المقدس منها وجعلها ساحة لطرح المفاهيم والأفکار السياسية التي تساهم بشق وحدة الصف بين المسلمين، وبث الخلافات والانقسامات بينهم، أکثر مما يمکن أن يدفع باتجاه الوحدة والتآلف، خصوصاً أنَّ اللافت للنظر أنَّ خامنئي، بعد أن رأى أنَّ نظامه لا يمکن أن يخرج من أي إتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة بما يمکن أن يفيده على الساحتين الإقليمية (لوکلائه) وعلى الساحة الإيرانية من أجل إثبات دوره على صعيد القضية الفلسطينية، أراد، أي خامنئي، استغلال مناسبة الحج من أجل تکملة مشوار حرب غزة وجرها باتجاه وسياق يعيدان شيئاً من الاعتبار لدوره من جهة وتوظيف الأمر کعامل ضغط على بلدان المنطقة عموماً والسعودية خصوصاً.
في أيام الخميني، ومع کل ما كان يتميز به من بريق وکاريزما، فإنَّ وفوده لأداء ما کان يسميه “الحج العبادي السياسي” و”البراءة” لم تکن إلا مجرد زوبعة في فنجان، ذلك أنَّ السعودية، التي حرصت وتحرص على المحافظة على موسم الحج وعدم السماح بحدوث أي مشاکل أو أمور خارج سياقها العبادي، قد تصدت وبکل حکمة وحزم لهکذا بدعة لاعلاقة لها بالحج، ونجحت في إجهاضها. والسؤال هو: هل ان خامنئي من خلال دعوته التي أشرنا إليها آنفا، يريد أن يثبت للشعب الإيراني والمسلمين أنه أقوى من الخميني، أم ماذا؟